بين تربية الأطفال وترويض الخيل

بعد سنين من ركوب الخيل، وسنين من إدارة نادي الجاراج أدركت أن تربية الأطفال وترويض الخيل يشتركون بعوامل عديدة مشتركة منها:

١- الخيل والطفل يأتون للعالم بروح حرة نلمحها باتقاد عيونهم. مهمتنا أن نحافظ على اتقاد هذه الشعلة بعيونهم. أي أسلوب تربية يطفئ هذه الشعلة أو يخمدها هو أسلوب مشكوك بصحته. قد يكون من أكبر الأخطاء التي يقع فيها المربون أن يتبعوا طرق تربية تطفئ هذه الهبة الطبيعية بالأطفال. هناك فرق بين التهذيب والطفل المؤدب وبين الطفل "المطفي" نتيجة ضغوطات أهله. من علامات صحة الطفل النفسية تحمسه وفضوله ليجرب ويستكشف ويختبر العالم من حوله و ينطلق ويلعب. مهمتنا أن نضبط هذا الانطلاق بقواعد تجعل الكل سعيداً. لا يمانع الطفل، ولا الخيل، بوضع قواعد واضحة شرط ألا تكون متضاربة نطبقها مرة ونخرقها مرة بطرية غير مبررة إذا سلك الطفل أو الخيل السلوك نفسه يتوقع النتيجة نفسها وفق القواعد المعلنة والتي يجب أن تكون عادلة بكل الأحوال.

٢- كل طفل (وكل حصان) له شخصية مختلفة ومميزة عن غيره. ليسوا نسخة وحدة. ميولهم مختلفة، وأساليب إقناعهم مختلفة. لا نستطيع أن نعاملهم كأنهم نسخة وحدة.وهذا شيء أدركناه بنادي الجاراج فابتكرنا طريقة مميزة لإدارة ورشاتنا بحيث أن كل طفل تكون له مساحة حرية ليختار شغفه ويختبره وينميه في إطار ينمي خياله ويشعل حماسته ووفق قواعد ضابطة، ومع أصدقاء يشاركوه اهتماماته، فيكتشف شيئاً فشيئاً مكامن إبداعه ويطور الشيء الذي يتميز فيه.

أكثر منظر مؤذٍ لي شخصياً خلال متابعتي لورشات الأطفال أن يكون أحدهم في حالة ملل لأن المحتوى لا يستهويه ببساطة بل يشعر معه أنه مقيد: خياله مقيد، حماسه مقيد، إبداعه مقيد، في حين أنه يتوقع من نادي بعد المدرسة أن يساعده أن يحلق بإبداعه وينطلق بمواهبه. نفس الأمر مع الخيل، في رحلات البر (خارج مضمار التدريب الذي يلتزم فيها الخيل بقواعد يتواصل معه الفارس فيها)، يتوقع الخيل أن ينطلق لأنها بيئته الطبيعية. والخيل له روح حرة كالطفل، وله شخصية مميزة كالطفل. والفارس المتمرس يتعلم أولاً أن يستشعر فرسه ويتعرف على شخصيتها ثم يتبع معها الأسلوب المناسب بحيث يشعر كلاهما بالراحة: الفارس يشعر بالتمكن، والفرس تشعر بأنها منطلقة ضمن الحدود التي باتت تعرفها من خلال التواصل مع الفارس بطريقة ثابتة ومنتظمة.

ملاحظة: المقالة نشرت في مدونتي الشخصية: https://mrayes.wordpress.com/